أشتقت لقوامي داخل الفستان الأزرق، والقطعة الحريرية على الصدر المشدودة، لطالما قضيت ليالي مميزة مرتديةً إياه.
صوت العطر، آآه، عطر المناسبات الخاصة، مرت شهور لم يكن لي يوم يستحق أن اضع عطري ذلك فيه.
حسناً كل شيء كامل فستاني، عطري وكحل عيوني.

يوم كامل مضى عند الصالون النسائي ما بين إزالة الشعر وحمامات مغربية لتزيدني نعومة.
تحدق في المرآه تركز نظرها بعينيها: اشتقت لجنونك، مرحبا بعودتك صديقتي القديمة.
تأخذ معطفها من على الكرسي الكبير بزاوية الصالة، تتحرك تجاه الباب.
تخرج هاتفها وتخرج رقماً لتتصل به.

– أستتأخر كثيراً؟
– بالطبع لا أستطيع الإنتظار بالبيت، أخذ رشيد الأولاد لبيت أهله، وقد يعودون بأي لحظة.
– بالطبع أخبرته إني سأتأخر عند مليكة، ولكن ليس أكثر من العاشرة.
– خمس ساعات ليست بالوقت الكثير ان أضعت منهم ساعة.

بغضب تضغط على المقود.

– حسناً، نعم أعرفه، سأنتظرك هناك، أرجوك لا تتأخر عن الساعة.

تعلي صوت المذياع وتنظر للطريق بعصبية.

تدخل مطعم راقي خشبي بإضاءة صفراء هادئة، يفتح لها الباب الزجاجي نادل صغيراً بالعمرِ نحيل الجسد، يرتدي طقماً ارجوانياً تلمع عليه شارة تحمل اسمه وفوقه اسم المطعم، تبتسم له بتصنع وتجلس في زاوية تراقب المحيطين.

– عصير برتقال.
تعطي النادل القائمة.
شكراً.

تنظر للجالسين وللتلفاز الكبير يعرض عليه فيلم مدينة الملائكة، تثبت عينيها لثواني مشهد تحفظه عن ظهر قلب.
تلعب بالمحبس في بنصرها الأيسر.

– مستحيل أن اجلس ساعة في انتظاره هكذا، سيجن جنوني.

تخرج دفتراً وقلماً تفتح الدفتر.

– من قال ان الخيانة سيئة، هؤلاء من لا يستطيعون فعلها فقط، مدعين العفاف وهم في الحقيقة مرعوبون من التغيير، ولو ضمن كل رجل أنه سيخون ولن يحاسب لن يتوانى دقيقة ليفعلها.
قد كان يعتقد رشيد أنى لن اعلم يوما، صدفة صغيرة غبية، تذكرتان سينما في وقت متأخر تعودان لتاريخ يوماً أخبرني به إنه ساهراً في عمله.
يضع النادل أمامها ورقاً مقوى برسمة لفينيسيا، واضعاً فوقها كوب البرتقال يبتسم لها، تخفي الكتابة بيديها بطريقة طفولية.

– لو كان لي ملاكا يحبني، لا يهم أن يكون شبيه (نيكولاس كايج)، يكفي ان يكون بقلب ملاك، سيث، أحبها وترك النعيم ليصبح في شقاء الى جوارها، ماذا رأي بها لم يراه ذلك الطبيب الذي احبها!، يحتضنها حتى تنام، هااا، نعم أتذكر ليالي أحتضن وسادة طرية من الطراز الفاخر، أتذكر همس زوجي في الهاتف يحسبني نائمة، أتذكر قلتي وضعف حيلتي لقيدي بالحياة الى جواره، فنحن (كاثوليكيان) لسوء حظي وحظه، لو كان له ان يغيرني لما تردد لحظة، يريدها أصغر وأنعم وأظرف، لا تناقشه بمصروف البيت أو موعد طبيب الأطفال، ملَ من أخذ أكياس القمامة في الصباح، لم يعد يهتم بإطعام الكلب الذي اشتراه هو بكامل إرادته بحجة إني أتذكر ذلك افضل منه، العشيقان لا يتزوجان، إذن يبقى الشخص المناسب للزواج في الصورة ويبقي العشيق في الظل.

ترفع عينيها تتفحص الناس.

– ما بال شابات هذه الأيام واحدتهم لم تتعدى السابعة عشر وتدعي الأنوثة الكاملة، ترتدي صدريات أكبر من حجمها وتضع مساحيق امها، تسحب سيجارة من صاحبتها تتكلم عن الحياة وكأنها عاصرت قروناً بها، اضحك يا لغبائي عندما كنت بعمرهن، خشيت ان تجعلني قبلة ابن عمي لي حاملاً فينفضح امري اني قد قُبٌلت.

– رائف هو أكثر فائدة استفدت بها من دخول الإنترنت لمنزلي، صديق من الأصدقاء المقترحين، قلب حياتي رأسا على عقب، موسيقاه الغريبة، عزوفه عن الزواج، تقلبات مزاجه، روحاني جدا، عصبي، حماسه السياسي، من صوره يبدو انه وسيم، باختصار ان بحثت امرأة عن عشيق لها سيكون هو الخيار المثالي، بعد يومان من حديثنا مسحت صوري مع اطفالي من حسابي، أريد أن يراني فقط من الصور التي انتقيها انا بنفسي له، اُجهز الفستان والاضاءة، اضع حامل الكاميرا واستعد لأخذ صورة تنعش مخيلته، لا يمكن ان تثيره اماً تحمل طفلاً وتمسك بيد الأخر في مدينة الملاهي بالجينز والتي شيرت البولو.

– غريب اني اكتب هذا الكلام الأن.
في أول لقاءا لنا، غريب اني لا اكتب مثلاً عن تأنيب ضميري للخيانة، لربما شعوري انه الى الآن مازال خيالاً، حسناً، سأترك جلد الذات بعد ان افعلها.

تشرب من العصير، وهي تتابع المارة من وراء الزجاج.

– شيئاً ما بداخل صدري يراقبني ولا يعرفني، وحشاً يريد ان يلتهمني، او لربما دعوي مظلومة تتوق لعودتها للمنزل، علِ احتضن اطفالي واقبلهم بشوق، لأقسم لهم اني ما افعله ليس من غريزة ولا من شهوة، اريد ان أبرئ نفسي من ذنب لم ارتكبه بعد، لربما افتح الباب على زوجي واصيح بوجهه أن اخرج من هذا البيت بلا عودة، اعلم كيف اربي اطفالي اذا لم يكن زوجاً خائناً الى جواري، ستعطيهم مالك فهذا حقهم، اتنازل انا عن حقي مقابل راحة بالي، فلتذهب تضاجع عاهرتك في الجحيم لم يعد يهمني.

تمسح دمعة خفيفة وتحرك يديها في الهواء من شدة ضغطها بالقلم على الورق.
تنظر في الساعة تجد انها تخطت السادسة والربع، تخرج الرقم مرة اخري وتتصل برائف.

– لماذا؟
تنظر في الفراغ: حسناً، مع السلامة.

تقوم للحمام مسرعةً، تنظر في المرآه الكبيرة.

– فشلتُ حتى في ان اكون خائنة.

تخرج امرأة ستينية من خلفها، تغسل يديها وتبتسم لها.

– كلنا فشلنا في ذلك عزيزتي.

ترمي المحرمة وتخرج، تنظر لنفسها في المرآه مبتسمة.

تفتح باب المنزل في هدوء ليقابلها صوت أطفالها من بعيد، يركضون نحوها تحتضنهم بعمق، تدخل غرفتها، تخرج قميص نوم أزرقاً من شنطة يدها وترجعه في الدولاب، بين قمصان اخري.
نسمع صوت رشيد: ليلى.
يقف نصف عاري، بجسد مبلل: لا أستطيع ان أجد البيجامة البنية، أحضريها ارجوكِ.
تعطيها له.

رشيد: واااااو، اشتقت لهذا الفستان، كم اعشق ذكراه.

تبتسم له: وانا ايضاً.