• من تكون!
    إستمع الآن لمن تكون بصوت سالي بازي على الساوند كلاود:   هل سألت نفسك يوما من تكون؟ هل أنا هذا الجسد الحي المتجلي في اللحم والدم والعظام؟ هل أنت فقط شكلك وملامحك، هذا الكيان الذي...
  • الفستان الأزرق - قصة قصيرة
    الفستان الأزرق - قصة قصيرة
    أشتقت لقوامي داخل الفستان الأزرق، والقطعة الحريرية على الصدر المشدودة، لطالما قضيت ليالي مميزة مرتديةً إياه. صوت العطر، آآه، عطر المناسبات الخاصة، مرت شهور لم يكن لي يوم يستحق أن اضع عطري ذلك فيه. حسناً كل شيء كامل فستاني، عطري وكحل...
  • الرجل العجوز - قصة قصيرة
    العجوز - قصة قصيرة
    مقهى بسيط، يجلس رجلاً ستينياً، يبدو عليه الثراء، يرتدي معطفاً رمادياً وقميصاً بلون السماء الصافية، لحيته بيضاء مشذبه، وشعره خفيف، يدخن سيجارةً مع قدحاً من القهوة بتمعن، ناظراً خلف الزجاج لقطرات المطر السريعة. ينتبه لصوت فتاة خلفه: صباح الخير. يلتفت لها....
  • كل عام وانتِ بطلتي
    حبيبتي.. كل عام وانتي بطلتي.. لا اصدق كيف صمدنا ووصلنا للتاسعة والعشرين..أتصدقين هذا؟ كان طريقا طويلاً مليئاً بالدروس، الأحلام الغير منجزة بعد، الكثير من اللقاءات والكثير من الوداعات. على كل حال احييكِ على شجاعتكِ، مازال قلبك نابضاً شاكراً لكل من مر وجعلني...
  • غداً!
    غدا حينما تستيقظ في الصباح - ولنفترض أنك ستستيقظ حقا - ليست دعابة، على الأقل مائة وخمسون ألف إنسان لن يستيقظوا في الصباح. إذن لنفترض أنك فعلتها واستيقظت لتجد نفسك ما زلت حياً، ألا يستحق ذلك الابتسام؟ ألا تشعر أن...
  • شقة ٤٤ - قصة قصيرة للكاتبة سالي بازي
    شقة ٤٤ - قصة قصيرة
    دخلت الى مدخل البناية الواسع، صعدُت بالمصعد، ارى نفسي في المرآه امرأه واثقة قوية لا يهمُها مواجهه ما سيحدث بعد دقائق، عندما ادفن ذكرياتي تعودت ان لا انبش القبور، فليبقى ماتحت الركام راقداً حتى نترك مساحة لمولود جديد .. إنتهت...
سالي بازي | كاتبة و روائية | قصص قصيرة | روايات | مقالات
  • الرئيسية
  • قصص قصيرة
  • عنى
  • اتصل بى
  • الرئيسية
  • قصص قصيرة
  • عنى
  • اتصل بى

قصص قصيرة

أنت هنا: الرئيسية » قصص قصيرة
رابط الموضوع تكبير الصورة

باولا – قصة قصيرة

ليلة عشية عيد الميلاد المجيد في حديقة مزدهرة أمام شجرة الميلاد الكبيرة تقف باولا بفستانها الأبيض الذي يشبه فستان عروس، تلمس الشجرة بأناملها برقة كأنما تخشى ان تجرحها، تبقى تتغزل بها وتسمعها أمنياتها، يأتي حاملاً بيده اليمنى قنينة شمبانيا، يتأمل باولا، يصفر بطريقة تعرفها جيداً، تسمعها ولا تلتفت تجاهه مبتسمة.

باولا: ما الذي اتي بك؟
يتقدم خطوتين منها ليقابلها: لا يمكن ان يكون الميلاد من دونك باولا.
تترك فرع الشجرة الذي تمسك به بقوة: يمكن لحياة كاملة ان تكون بدوني يا جون.
يتنهد: ومازالت غبية!
تضحك وتتقدمه ببطء: وما زلت وقح؟!
يضحك ويقدم لها يده اليسرى، تعطيه كفه ليمسك بها ويجلسها على دكة خشبية.
جون: اشتقت لحديقتكم، أين الجميع؟
باولا بغير اهتمام: في الداخل، الكل مجتمعون.
جون: وكنتي تعلقين أمنياتك على الشجرة أم تنتظريني هنا وحدك؟
تبتسم له وتخبطه في صدره.
يكمل: اشتقت لكي باولا.

باولا تضرب بكفيها لتصنع صوت المفاجأة: نعم، اشتقت لي، معك حق، فالأصدقاء ايضاً يشتاقون لبعضهم.
يخرج فتاحة القنينة ليقول: اذن انتِ لم تسامحيني بعد؟!
يحاول ان يفتح القنينة فتخشى باولا انفلات السدادة فتبعد عنه لتنفجر بينهم ولكن لا تصيب احداً هذه المرة.. يضحكان، ويعطيها لتشرب أول نخب..

ترفع باولا القنينة عالياً: في نخب الولادة من الألم.
تشرب وتملئ فمها بالشمبانيا والضحك وتعطيها له.
جون: باولا، التي ولدت من الالم.
باولا: الم يمكن ان يكونوا أهلي أسخف من ذلك، احكيت لك من قبل لما أسموني باولا.
جون يعطيها الزجاجة: نعم اخبرتني.
تشرب منها: دعني اخبرك ثانية.
يضحك وهو يأخذ منها القنينة: لاااا ارجوكِ، احفظها عن ظهر قلب.
متحمسة: دعني فقط اخبرك، أعدك ان تكون الاخيرة.
يصافح يمناها: ومن الذي يستطيع هزم عنادك! تفضلي.

تقوم لتتمشى امامه: باولا هي ابنة إيزابيل الليندي، من أشهر الكاتبات التي حصلن على جائزة نوبل في الآداب، كتبت باولا عن قصة حياة ابنتها، او تحديدا عن قصة موت ابنتها الوحيدة -تحني رأسها بتواضع مسرحي- باولا، بقت تصارع المرض لسنين، وكانت الأم الكاتبة تتلاشى كل يوم باحتضار وحيدتها.

يعطيها جون الزجاجة فتشرب منها وترجعها له لتكمل: كان لإيزابيل مساعدة وبنفس الوقت صديقة، هي من اقترحت عليها ان تكتب مذكرات تجسد موت ابنتها، لربما بيوم من الايام يخرجها الموت من بين براثنه، ويعطيها إله ما فرصة جديدة للحياة فتقرأها.

تتحجر دمعة بعينيها: ولكن تلك لم تكن رغبة الإله الرحيم، بل اكتفى بأن تكون تلك أعظم المذكرات التي تمنح لها الجوائز، وخُلدَت باولا في أذهان الملايين، لتصبح باولا المولودة من الألم.

لا يحيد النظر عنها ويفرد كفه له: اجلسِ.
يكمل: تعلمين كم فتاة وامرأه حية أو ميتة حملوا اسم باولا؟
باولا: اعلم، ولكنهم لم يتألموا مثل ألمنا نحن.
جون متسائلاً: نحن!، أنتِ وأنا، انتِ و.
باولا: أنا وهي، باولتي، البطلة الحقيقة للرواية.
يضحك: هذا ليس سببا وجيهاً ليسمياكِ بهذا الاسم.
باولا تضحك: حقاً لا اعلم لما فعلا ذلك.
يصمتان لدقائق متأملين جو الحديقة وقد غلب الخمر عليهم بهدوئه.
جون في استعراض: تعالوا لي بسرعة.. فأنا أتذوق النجوم.
لا تضحك باولا منه وتبقى مشيحه ببصرها عنه فيدير وجهها له، تبتسم له بعينين دامعتين.
باولا: لم أتيت اليوم جون؟
يبتسم وهو يمسح دموعها: حتى أسمع سبب تسميتك للمرة المليون.
باولا: أحقاً هو للمرة المليون؟، إذن بيننا عشرة طويلة.
ينظر بعينها متسائلاً شاعلاً سيجارة: هي حقاً عشرة طويلة.
تقولها معاتبةً: لما لم تٌحبنَي؟
جون: انا احبك باولا تعلمين هذا جيدا.
تضع كفها في مواجهتهِ: لا تتسرع بالإجابة، فقط فكر، ما الذي منعك عن ان تكون حبيبي؟
لا ينظر لها: لا اعلم، لم احبك بطريقتك التي أردتيها.
باولا: أجباناً انت؟
يعود ليجلس الي جوارها: لو كنت جباناً لما تقربت اليكِ.
باولا: حسناً، فعلتها وتقربت، وقاسيت كل ما يقاسيه عاشقاً في الحب.
يهز راسه نافياً: لم أكن اشعر بأنني احبك بهذه الطريقة، أهذه جريمة؟
باولا: ها، حسناً، فأنت اشتعلت ناراً بالغيرة، حاولت ان تستبقى الأيام في محادثتي ورؤيتي، لم ترتبط بواحدتهن قط بحجة أنك اكتفيت بصداقتي.
جون: نعم باولا وماذا في كل ذلك، والذي تأكدت منه انني لم احبك.
باولا: هل لديك الجرأة لتقولها بعيني؟
جون: نعم املكها – ينظر بعينها – انا لا أحبك.
باولا: وماذا عن القبلة؟
جون: اي قبلة!
باولا بحب: قبلتنا.
ينظر بعيدا: اه.
باولا: الاولى؟، الثانية؟، المائة؟، وما يلحق القبلات من أفعال الجنون؟

يشعل سيجارة ثانية لتأخذها من بين شفتيه وترمِها بعيداً: لا تستنجد بمعين، لن يجديك التبغ في التهرب من حبي.
جون بعصبية مفتعلة: تقصدين التهرب من تحقيقك، ماذا تريديني ان اخبرك بضبط.. انني أهيم عشقاً بك، انني أقضي طوال اليوم في انتظار محادثات الليل، انتظر سؤالك عن كيف كان حال يومي، انتظر لمسة يدك على جبهتي، تحملك لتقلب مزاجي العنيف، أفتعل إغضابٌكِ حتى اتمتع بمصالحتك.

باولا: هذا بالضبط ما أود سماعه.
يقوم ليكمل: ولكنكِ حتماً لا تريدين سماع الباقي، مع ذلك، مع كل ما بيننا، انا فقط.. لا احبك.
تضحك عالياً وتمشي بعيداً عنه بظهرها وتفتح ذراعيها على وسعهما: وما الحب إذن برأيك؟
متلعثما: لا اعلم اي شيء غير ذلك.
تقترب منه: الشهوة؟
جون: لا.
باولا تقترب خطوة: الاشتياق؟
جون: لا.
تقترب: حلم العيش مع نفس الشخص للأبد، حتى يفرقهما الموت؟
ساخراً: لا.
تقترب أكثر: رفقة الأنس؟
جون: حتما، لا.
متسائلة: الغيرة؟
جون: انا لا أغار.
تقترب كثيراً منه: الجنون؟
جون: لا.
باولا: الأوكسيتوسين، الثقة؟
جون وقد ضاق ذرعاً: لا، اي سؤال عما هو الحب بنظري سيكون.. لا.
تجلس على العشب وتثني قدميها تحت الفستان: اذن لما تعود في كل مرة؟
جون: لا أريد ان أخسر صداقتنا.
يجلس الى جوارها: ومن قال اننا سنخسرها؟
جون: انتِ، انتِ تريين انه الحب وانا اراه انه … حسناً …ال..
تطبطب على ظهره: لا يهم ما هو ما دمت تحسُه.
في عناد: انا لا احسه، انتِ من قلتي لي احبٌكَ.
تبتسم: ولم يكن هذا سراً، كل من رآنا اعتقدوا أننا عشاق لا اصدقاء.
جون: عشقك مخيف باولا، الا ترين كل من اقترب منك قد أفنيت حياته بعدك.
باولا: او لهذا الحد يصل شري!
جون: ليس شراً، هو نوع من ذلك السحر الأسود، يغلب عليه الجمال ليأسرك، ولا تعلم كيف يأخذ منك كل شيء حتى نفسك.
باولا: وما الذي سلبك إياه سحري؟
جون: أكثر من عامان.
باولا: حسناً انه العمر؟
جون: لا أستطيع ان ارى فتاة بغير شكلك وكلامك ومزاحك ورقتك وحركاتك وبكاؤك وغضبك.
باولا: إذن أخذت منك متعة الاختيار؟
جون ينفخ خديه بالهواء ويطلقهما بنفخة قوية: هو أشبه بوشم، ولكنه بالقلب.
تضحك منه: قلب من؟، قلبك؟ – تضع يدها على صدره – هذا العضو الذي ينبض للحياة؟، أو تملك واحداً منه؟
واضعاً كفه على كفها: كفاكِ قسوة.
باولا: وقسوتَك؟
جون: باولا انا اقول الحقيقة، والحقيقة في جوهرها قاسي.
تبعد عينيها عنه في دموع، فينفجر بها يمسك رأسها بكلتا يديه.
جون: لا لا يمكن ان يحدث هذا ثانيةً، باولا مستحيل ارجوكِ لا تبكي، باولا حقاً أقصدها توقفي حالاً، باولا امتنعي عن هذا، انا أسف، انا احقر …

تبتسم وتسند جبهتها على جبته: اخرس، أنت طفلاً غبياً لا أكثر ولا أقل.
يقبلها بين عينها: أسف على دموعك.
ترفع رأسها بحماس: تخيل لو إنني سوف أموت خلال دقائق، ماذا تود ان تخبرني إياه قبل رحيلي؟
يسحب يده من حول رأسها: لا أحب تلك الافتراضات.
تقترب منه وتقبله على شفتيه: فقط قلها، ستكون تلك الأخيرة التي تراني بها ولن أساومك على شيء بعدها.
تعود لتقبله وتكمل: وليس هناك شهود، فقط أنا وأنت والموت العاجل لي.
ينظر بعينها ويقوم: سأقول أي شيء باولا.. عدا أني احبك.

الاوسمة: قصة قصيرة
شقة ٤٤ - قصة قصيرة للكاتبة سالي بازي
رابط الموضوع تكبير الصورة

شقة ٤٤ – قصة قصيرة

دخلت الى مدخل البناية الواسع، صعدُت بالمصعد، ارى نفسي في المرآه امرأه واثقة قوية لا يهمُها مواجهه ما سيحدث بعد دقائق، عندما ادفن ذكرياتي تعودت ان لا انبش القبور، فليبقى ماتحت الركام راقداً حتى نترك مساحة لمولود جديد ..
إنتهت الطوابق الاربعة خرجت وتقدمت من رقم الشقة 44 ابتسمت لطالما احببت الارقام الزوجية، ضغطت على الجرس تأكدت من زقزقة العصافير المنبئة بقدوم ضيف، صليتُ سريعاً لم استطِع ان اكمل اكثر من: اعطني القوة ..

هو: اهلاً، مريم.
ابتسمت بثقة: اهلاً كيف حالك، هذ …
هو: تفضلي بالأول.

انا وقد تقدمت خطوتين داخل المنزل مما يسمح له فقط بقفل الباب حتي لا اسده بجسدي_لا اعلم لما أهتميت بزوايا فتح وقفل الباب في حين إني سأرجع منه بعد دقيقتين_ وقد كان ممدت يدي برزمة ملفوفة في خيط دبارة عريض به سبعة كتب ضخمة.

– تفضل اسفة ان اخرتهم.
ابتسم بهدوء: اخرتِهم سنة ونصف يا مريم، اليس هذا ما بقيناه سوية متحابين؟
انا رفعت ذقني سنتيمترين زيادة: اتمني ان لا اكون سببت لك ازعاج، اراك على خير.
هو: الا تريدين ممتلكاتك التي مازالت عندي؟!
انا : اذا كانت جاهزة سأنتظر ولكن ليس لأكثر من دقائق.

وضع الكتب على مكتبه ودخل غرفته يحضر اشيائي، بعض سخافات اعطيته إياها ظناً مني اننا سنكون العمر كله معاً فكل شيء صغير يستخدم يومياً تقريباً تشاركناه حتى إني نسيت وانا الملم أغراضه من منزلي ماذا له وماذا لي.
بعده وتأخره اراحني بعض الشيء فقد كنت متوترة تقدمت أكثر في الشقة انتبهت الآن فقط لصوت بوب مارلي الآتي من حاسوبه، اول القصيدة كفر!!، تلك قائمة أغانينا المفضلة اعلم ان بعدها مسك الليل لسعاد ماسي.
ثاني حاسة من حواسي ستصحو بعد سمعي، إنها الشم.. رائحة بمنزله عالقة بزواياه مزيج من عطره وعطري أو هكذا اتخيل، تأكدت من الرائحة، لا فهي رائحة ذكورية صِرفه، لا يوجد حتى رائحة لأنثى مرت من هنا، لطالما اخبرته ان له رائحة مميزة ما ان شممتها ميزتها وطمأنتني بأنه قريب..

اعلم ان كل الرجال فيرمونات رائحتهم الرجولية أقوى من فيرمونات المرأة ولكن هو مختلف رائحته تعني لي انا، اذن المختلف برائحته هو احساسي بها..

نظرت لكل شيء جديد تغير في بيته منذ رحيلي، لم تتغير عاداته كثيراً، الكثير من كتب الإدارة والإعمال، فنجان قهوته المرة، رشفة واحدة من الإسبريسو تكفي أن تسبب لي الحموضة لليوم كله وأكثر من جهاز تكنولوجي ما بين هاتف وحاسوب ولا اعلم الثالث هذا ما اسمه، لطالما تعاركنا على كثرة انشغاله بأجهزته وارقامها السرية الصعبة التي يختارها..

هو: تفضلي.

انظر الي صندوق معدني به الكثير من الانبعاج والصدأ.

أنا: اهو هو؟!

ابتسمت واكاد أن أدمع افتحه واشتمه ليتحدث هو عني: عملاتك المعدنية التي جمعتها طوال طفولتك، تذكرين ماذا قلت لك وقتها، ارى يدك الناعمة الصغيرة لا تستطيع ان تحملهم فيقعون منها تركضين بهم اليّ ولأكني أباك، فرحتي بك يومها كانت فرحة أب.

ابتسمت واومأت برأسي: شكراً من الجيد إنك احتفظت به.

خلفه صندوق كرتون كبير فتحه لأجد به الكثير من مشابك الشعر، جوارب شتوية، كأس نحاسي لقهوته، وعلى الواجهة كان كتاب عابر سرير نزلت التقطه بنفسي فتحت أول صفحة لأجد إهدائي: “عابر سبيل” هذا أصل الكلمة وعابر سرير هنا تعني انه محب آت ومحب راحل، لا تقلق سوف لن تكون ابداً عابراً على سريري..
اقفلته من دون اي ردة فعل على وجهي كأنما من كتبت هذا الكلام لا سابق معرفة لي بها..
تناولت صندوقي وضغطت على قاعدته: شكرا

ابتسامة عريضة هي ما على وجهي سيصدقها اي شخص الا هو..

هو: انتظري ان اساعدك سأضعه لكِ في المصعد.
انا: شكراً.

تخترق آذاننا كلمات لطالما تغنينا بها فقد حان وقت مسك اليل

“فهاد الوقت الحال كل دقيقة يتبدل
فهاد الوقت اوراق الشجر تبدأ تدبل
ريحة تراب تصب الشتاء
دمعة في عيني تلعب ونتفكرك انت”

صمتنا أكثر لنسمع ونعذب ضمائرنا التي تخاذلت وجعلتنا نترك كل ما كان وراء ظهرنا ونتمسك بمواقفنا الواهية.

“فهاد الوقت تغيب الشمس ما تزيد تبان
يبان لي طريقي طويل ولا بيك انت
توحشت الطرقات اللي حفظوني
توحشت حتى الي كرهوني”

انا: لو تركت احساسي هنا يمكن ان ابقي لدهور، لا يمكن ان يأتي الشتاء من دونه، لا اريد ان اتذكر لمحة واحدة من شتاء العام الفائت ستنفجر بي ليالي باردة لم يكن بها غير جسده ما يدفئني، اه بمناسبة الشتاء البيجامة التي يرتديها الان انا اهديته إياها
تقدمت بأتجاه الباب بسرعة لم يتحرك هو سمعت صوته ينادي اسمي وعقلي يخبرني ان لا تستجيبي، رفض قلبي النصيحة وكانت هذه اول زلة له، استدرت أدركني بطلبه مني الجلوس لدقائق.

جلس على الكنبة الكبيرة وجلست انا الى جواره ليس في تردد أو ضعف بل كصديقة قديمة مهتمة بما سيقول.

هو: تعلمين أنى ذهبت للطبيب النفسي منذ اسبوعين؟
انا: آها رائع، نصحتك من قبل بزيارته، وماذا اخبرك؟!

نظر لي وكانت هذه اول نظرة تتلاقي بها اعيننا من دون حركة او تظاهر ان النظرات لا ترسل شيئا عبرنا.

هو: صدمة كبيرة جعلتني اخاف من الحب والتعلق.
انا: اه لعله موضوع ندى، حبك الاول؟
يتنهد: لا تماما لا، علاقاتي مع النساء هي ردة فعل لا أكثر، ما انكسر بداخلي أكبر.
انا اتنحنح فأنا لطالما خشيت اقتراب هذه المنطقة: لعله والدك فليريح الرب روحه.
هو: انا لا أحزن عليه مريم.
انظر له كأنما اخترق روحه فأنا اعرف المستور بها: حزنت عليه واشياءه الصغيرة عذبتك، مازالت قداحته ترافق فراشك.
هو: ولكني فعلاً ما اتذكره منه مجرد صور ومواقف وتواريخ اذكرها جيدا، لا شيء أكثر لا مشاعر لا حزن لا اشتياق لا تمني للرؤية مرة اخري. لا شيء مريم لا شيء.

وضعت يدي على كتفه بهدوء اكتم الكثير من مشاعري لربما اريد أقنعه انها طبطبه من صديقة قديمة، اقاوم نفسي ان لا اقوم واحتضن رأسه على صدري اقبل راسه وشعره ليطمئنه نفسي الهادئ.

يضحك في سخرية من نفسه لطالما فعلها ليداري بها مصائب مخبئة: اذن انا مريض.
انا: وماذا بها؟، انا ايضاً اعاني اضطراباً عاطفياً ومرض حقيقي.
يضحك أكثر: اخبرتك قبل ذلك بكثير أنك مريضة عزيزتي لو أنك سمعتِ كلامي لوفرت عليك ثمن فيزيتا الاطباء.
اقتربت من اذنه وهمست: انت الرجل الوحيد الذي جعلني اذهب لطبيب.

اردت ان أكمل لأنك كنت الاول والاخير، تلخصت الرجولة بك ايها الطفل الضائع المقاوم لحضن امه.
قمت فمسك يدي ان اجلسي لم انه بعد.

عدت الى جواره: غيرت نفسي من اجلك من أكبر الى أصغر الأشياء، من تفكيري عن الله، الى شرب الشاي بالحليب عوضا عن القهوة، ولم يرضِك وبقيت انا الغير مطيعة العنيدة الصعبة المعشر.
هو: مريم اخذتي مني شهوراً لتحرزي هذا التغير.
انظر اليه أكثر ويحتد واحدا منا على الآخر: اردت ان أبدل عمرا عشته في قوقعتي وحدي، لتخرجني لعالمك في ايام نعم استلزمني الامر شهورا، الا كنت تخشي ان تغيرت معك في ايام ماذا كنت ستري بي!، فتاه امعة سيلعب برأسها وافكارها من ما كان، اعجبت في البداية بقوتي وحفاظي على نفسي سنينا لم أكن بحاجة ان احافظ على شيء منها.
هو: اعلم، اعلم ايضا أنك شخص جيد جدا، ولهذا انا لا أفرط بك.
اتمتم: لا تفرط بي بالطبع فأنا قميصك المهترئ القديم قضيت به ذكريات مميزة فاحتفظت به رغم سوء معاملتك اياه، لا يصلح لان ترتديه ولا تريد ان تعطيه لمسكين، فليبقي على الرف منتظرا ان تتذكر وجوده من حين الى اخر لتتكرم عليه وتخبره كم هو مميز عندك.
احتد عليا: لا مريم، لم يكن الامر هكذا، تشوهين الصورة في عقلك أكثر من اللازم.
مررت اصابعي بين خصل شعري بيأس وأضم رأسي على بطني سائلة اياه: كيف كان اذن، في كل مرة كنت تخبرني سبباً لفراقنا، ها تفضل ما هو آخر سبب توصلت اليه؟!

رن هاتفي في حقيبتي لم أتجاوب معه، ليكمل هو: دعك الان من أسباب خلافنا، ما بي انا لا يقف عندك او عند غيرك، اريد دائما ان ابقي في علاقات ليس بها الكثير من الحب ولا الدفيء لأبقى حراً يبقي قلبي عندي، لا يثيره بعد ولا غيره، ولربما ابقى مع واحدتهن فقط للفضول، متعة ان تتعرف على شخص جديد وتضيفه لقائمتك، وتكون قد قررت مسبقاً أنك لن تبقيه أكثر من أيام، مجرد ان يهدأ الفضول ستزيل الشخص بتفاصيله من امامك، الوضع اختلف معك والمدة طالت.

رن هاتفي للمرة الرابعة لينتبه هو انه كثير الالحاح، قمت افتح حقيبتي ونظرت لاسم المتصل وخشيت ان يقلق أكثر من ذلك، فقد كان فاضل، كنت وقتها لا اعرف نهايتي معه اعتقد انه من الجيد ان اضع رجلاً بديلا لأخر، خصوصا ان فاضلً لم يكن اقل منه في اي شيء بل قد يكون هو نقيضه الأفضل، هو الشخص الذي طالما تمنيت ان يتغير ليصبح هو، أقصد الجالس الى جواري.
اجبت عليه في تمويه ظاهر لا انطق غير: ألو، اهلاً، لا لا كل شيء على ما يرام، حقا، متى، أيمكن ان يكون بعد ذلك بقليل، حسناً، لا شكراً، سلام.

لم توضح إجاباتي ان كان المتصل رجلا ام امرأة.
عدت اليه وقد اصابني التوتر أكثر جلست مرة اخري ولكن هذه المرة جسدي غير مرتاح.

نظر لي ولحركات جسمي كأنه يقرأني: من كان المتصل؟!
انا: لما تهتم؟!
هو: حسناً، ستجاوبين على ايه حال، من كان المتصل؟!
علت نبراتي: ما يهمك في ذلك لم اعد جاريتك ليس من شأنك.

قام بلمح البصر لطالما كان رده فعله سريعة فتح حقيبتي واخد منها الهاتف فوجد انني فعلت نفس فعلته، أضفت كلمة سر!

هو: افتحي الهاتف
انا في محاولة لإغاظته ولكن ليس من باب طرافة الطفلة بل امرأة تنتقم: ليس من شأنك بعد الان
رمي الهاتف ونظر لي في صمت ثم استنتج: اذن تعلمتيها يا صغيرة، تعلمتي إدخال الجديد لنسيان القديم
التقطت الهاتف من على الارض: نعم فأنا تلميذتك

وضعته في حقيبتي، جاء امامي ونظر نظرته التي يعرف انها تسيطر على ولا يحتاج ان يفسر لي بها شيئا، تجاهلت نظرته قلبي يصم اذني من طنينه، اشحت نظري وانا أفكر ان اهربي وبسرعة سوف لن تتحملين فراقه خطوة بخطوة فلتفعليها مرة أو لن تحدث للأبد، قد يكون الفراق اشد ألماً من خلع ضرساً قوياً بثلاث جذور مغروساً في عضم صلب بلا مخدر.

صفعني صفعة خفيفة لطالما اضحكتني تماما مثل الطفل الذي تداعبه بعنف ولكنه يعرف نواياك الطيبة فيضحك لك.
لم ابتسم غير قليلا، فألحقه بالصفعة الثانية، انظر اليه ولا افهم ماذا يحاول فعله، ايذكرني بما بيننا، ام يحاول يختبر نفسه ان كان مازال مسيطرا على احساسي الواهي الضعيف امامه.

صفعني الثالثة ثم الرابعة وارتسمت علي وجهي ملامح غيظ من دون كره، توقف عن الصفع وتوقفت انا عن الغيظ لم أرد له اللعبة كما كنا كلعبة قط وفأر.

استلقي على الكنبة مد لي يده: تعالي

هدأت الى جواره كأنني مسلوبة او مسحورة، أغمض عينيه ولم أستطيع انا ان افعل مثله، بقيت اراقب تفاصيل وجهه، احبه هذا كل ما يدور ببالي، اراه جميلا قد يكون أكثر بعشرات المرات مما يراه الناس ويراه هو في المرآه.
اقتربت قليلا لاشتم نفسه لأخر مرة فأنا اعلم ان لا يمكن ان نقترب بعد اليوم بهذه المسافة.
عيوني تدمع وتشوش عليا رؤياه اخشي ان فتح جفنه في اي لحظة يراني هكذا.
مرت خمس دقائق على الاكثر وانا ما بين خلع ملامحه من عقلي للأبد وما بين اشتعال حواسي الخمس بأنه مازال امامي قد يكون لم ينته الامر بعد، لما لا تكون نهاية مفتوحة.

قفز قلبي من فتح عيونه نظر بعيدا لم ينظر بوجهي.

قمت من جواره واخبرته في برود: ان كنت نعس ادخل تدثر في فراشك، انا ايضا تأخرت يجب ان ارحل
قام وشد أطراف سترتي حتى ارتد صدري عليه بقوة: سترحلين؟

توسمت امامي صفات الإله المراقب وتذكرت ان ما افعله خطية ففي قاموس الله لا يوجد حب، الا حب الازواج الشرعيين بإشهار وشقة مريحة ومهر مناسب.

رجعت خطوة وقد خفت قوة يده الماسكة بي، اعدلت من نفسي وهممت ان ادير له ظهري، مسك بي من الخلف كمصارع يبدأ في تسخين اللعبة – وهذه حقيقة كان مغرم بالملاكمة ولعبها لفترة طويلة وكان بارعا فيها مثلما أخبرني هو وأراني بقايا اشياءه في ذلك الوقت – كان عنيفاً في مزحه في غضبه في الفراش ايضاً، اقاوم بالإبتعاد ضمني بساعده أكثر شعرت بسخونة جسده لأول مرة منذ شهوراً بعيدة.

انا: اريد ان ارحل.

قلتها كأنما لا تعجبني لعبتك.

مسك يدي الي خلفي ليقيدني أكثر ويشل حركتي ساعده مازالت تحتضن رقبتي، تقريبا كل جسده يلمسني.
لحظة اتنبه أنى في حضنه فيخبرني قلبي استديري وقبليه، أفرغي عليه غل الشهور الباكية فلتعضيه كما تحبين.
اقاوم أكثر فيغير هو من الوضعية ليضع رجله بين رجلي ويجبرني على الوقوع على الارض، لم اري متي أصبح فوقي، كان مباغتا في حركاته.
اسمع تحذير قلبي: ان سمحتي لجسدك ان يلين له للحظة ستضعفين وتأتين الي في الغد باكية شاكية اياه وطالبة نسيانه
ذقنه تلامس وجهي، اللهي كم اشتقت له، انت تعلم ما في القلوب من ضعف
اقاومه أكثر وانا عازمة على دفعه فعلا اتصور أنى سأنجح، يضع رجله على اطرافي المتحركة وانا أشل أكثر، جسدي يستمتع أكثر بهذه المقاومة، يأتي في بالي فيلسوف لا اذكر اسمه الان ان في داخل كل امراه امنية بالاغتصاب للذة المقاومة.
اخرج صوتي حاملا نوعا من الغنج ونوعا اخر من محاولة التخلص منه.

انا: لم نعد لبعض منذ الان لا يمكن ان يكون هكذا مزاح بيننا

هو يقبض على اطرافي المتحركة أكثر: وانا لا امزح، اريد ان اري مدي قوة عضلاتك
اصرخ انا وليس للألم فلم يكن يؤلمني اصلا فهو حنون حتى في عنفوانه.

– لا اريد ان اصرخ واستغيث ليسمعونا الجيران، ابتعد.. اقصدها لا اتغنج ابتعد
اشتم رائحة عطره الممزوج بدفاء جسمه، اثارني هذا العطر وقت ان اشتريته له فأحببت ان اجربه عليه. اقنع عقلي بأن ما نفعله ليس من شهوة تعلم اننا طفلان مشتاقان، اعرف انه ليس بحالة اهتياج، هو يفعل ما كان يفعله من قبل حتى يتأكد انني ما زلت مسموحة له
ارتخي جسدي كثيرا في حواري الملتوي المنطق لعقلي فراحت مقاومتي وهو ايضا اوقف اللعبة قام من عليا، وجسدي يتذمر ان لما جعلتيه يقوم لما لم تخرجي ما بك من احتياج.

اقوم واعدل من شعري وأرد على جسدي ما بك ليس احتياجا، احتياج روحي لحضن مطمئن هو ما يخلط عليك الامر أنك محتاج جسد آخر تشاركه، انت هادئ وانا هادئة، تحتاج دفئه ليس لتمارس الحب معه بل لتستمتع بدقائق تخرج فيها من التوحد مع الذات، لطالما اجبرتني ان اثيره واغريه لأسحبه لفراشي، لطالما مثلت النشوة والهيام وفي الحق كانت شهوة روحي هي ما تحركك، حتى أنك وقتها اخبرتني أنك لم تستمتع كثيرا، ولكن قلبي كان قد امتلئ بنشوة القرب، بصرخته في ذروة متعته ان يقولها، يقول أنى احبك، ينادي باسمي في انتفاضه جسده.

– أخبريني ماذا تقولين للناس عني، صديق للعائلة؟!
انظر في المرآه اهندم من نفسي: شيئا كهذا

حملني من امام المرآه وجعل راسي عند رجله ورجلي فوق كتفه، قلبني كما قلب حياتي منذ أكثر من سنة، خفت ان لا يعدل وضعيه جسمي كما لم يغير شقلبه حياتي على يده.

نجح بأن يوصلني للضحك عاليا عدت ابنته من جديد يتحرك بي في الغرفة وانا ارفرف بقدمي فرحا، بقينا هكذا حتى استغثت به ان أنزلني سيتوقف قلبي ضحكا وخوفا، كان قد اقترب من الفراش فرماني عليه.

اصطدم ظهري وانا لا زلت اضحك، تركت نفسي اتغنج في ميوعة جسمي وفي نظراتي، وقف لاهثا ينظر لي من أخمص قدمي حتى خصل شعري التي تخفي ملامح من وجهي، اقترب فوقي وعاد للعبته يقاوم يدي وأقاومه انا بأقل قوة عندي متعمدة بأن اجعله يحس إنه الصياد وقد وقعت الفريسة في شباكه ولم يبقى الكثير من المقاومة فلحظات الأكل اقتربت والفريسة استسلمت.
وإذا بصوت عقلانيتي الذي صممت اذني عنها طوال اللعبة يهمس لي فسكتت ضحكاتي لأسمعُه جيداً: ان قومي واوعدك ان سيحبك بعده رجلاً أفضل منه، لا تتخيلين أنك لن تعشقي غير تفاصيله، ستحبين بعده وتوهبين كل ما اردتِ اعطائه إياه مجاناً، قرر قلبك ان يكون هو الأول، وانا أقرر لك انه ليس الأخير، سيكون لكي زوجاً لا مراهقاً يتلاعب بك حتى يخفي عيوب نفسه، إذا كان قرارك ان تتركين كيانك الرائع بيدين طفلاً خبيثاً فلا تطلبي مني النصيحة مرة اخري.

لهثت ورعبت من فكرة انني أتهاون في تقديري لذاتي، تظاهرت سريعاً بالإستسلام حتى خفت قبضة يده، تسللت من بين جسده الملقى بثقله كله عليّ وركضت، أرتب ثيابي وشعري وسط ذهوله وإستغرابه عيناه تراقبني لا يفهم أهذا جزء من اللعبة، ابحث عن حذائي الذي ترك قدماي اثناء المعركة المزيفة، وضعت به أصابعي ولم أكمل دفعهما حتى ركضت أنقض فتحاً للباب.

– لتكن مشيئتك إذن.

أفضل لي مؤانسة الوحدة في ليالي البرد بكرامة عن عشقي لحواسه الخمسة الكذبة، أخذت قلبي معي من ضمن أغراضي التي كنت أودعته إياها لسنة ونصف كاملة.. لأكتفي بي.

الاوسمة: قصة قصيرة
الرجل العجوز - قصة قصيرة
رابط الموضوع تكبير الصورة

العجوز – قصة قصيرة

مقهى بسيط، يجلس رجلاً ستينياً، يبدو عليه الثراء، يرتدي معطفاً رمادياً وقميصاً بلون السماء الصافية، لحيته بيضاء مشذبه، وشعره خفيف، يدخن سيجارةً مع قدحاً من القهوة بتمعن، ناظراً خلف الزجاج لقطرات المطر السريعة.

ينتبه لصوت فتاة خلفه: صباح الخير.
يلتفت لها. شابة في أواخر العشرينيات، بملابس أقل كلفة منه، لها عينان واسعتان حولهما شعر كثيف بنياً وابتسامة هادئة. يقف ليحييها داعيها للجلوس، تجلس امامه وتضع الشمسية الى جوارها، تعدل من هيئتها، وتوجه له نظرةً من ينتظر الحديث.

العجوز: الطقس بارداَ جداَ بالخارج، اليس كذلك؟
الشابة ناظرة للمطر: نعم، الا ان كنت بداخل سياراتك الجيدة التدفئة.
يبستم العجوز مؤمناً على كلامها، يتقدم النادل لتطلب قهوة تركية غامقة سادة.
العجوز في استغراب: الست صغيرة على القهوة القوية، توقعت ان تشربي الحليب والكاكاو!
تبتسم الشابة: ومن صاحب هذه النظرية الحكيمة؟، على كلاٍ لا تخف نضجت بما فيه الكفاية لأشرب القهوة.

يشعل العجوز سيجارة شاعراً أن المعركة قد بدأت لتوها.
ينظر لها بهدوء: أريد أن أسمعكِ ماجدة، قولِ ما بداخلك، يا الله كم أحب اسمك!، أتعلمين لما سميتك ما…
تقاطعه الشابة: لا جئت أنا لأسمعك، أخبرتني أمي أنك تريد مقابلتي، لا اعلم لماذا انا بالذات، لبيت الدعوة بكل الاحوال.
العجوز: اريد ان اعلم ان كنتي حاقدة عليا بأي شكل من الأشكال؟
الشابة بثقة: لا مطلقا، ولما الحقد على عجوزٍ لا يملك من امره شيئا.
العجوز: أنا لست عجوزاً، ماجدة، انا والدك.
الشابة ساخرة: صحيح، لم أنسى ذلك، ولكن حقدي على الأب الشاب الذي تركني أنا وأختي وأمي، اما العجوز الوقور الذي أمامي فلا.

يضع النادل القهوة قاطعاً حديثهما وينصرف، ينظران خارج النافذة للمارة الراكضين من المطر.

العجوز: اسمعِ عزيزتي، أنا هنا حقاً لأتأكد من مسامحتك إياي، مؤكد إنك تبغضيني، ترينني كأب غير مسئول، مؤكد إنك تريدين أن تسأليني عن السنوات التي مضت.

ترشف الشابة من القهوة وتأخذ سيجارة من علبته الفضية وتشعلها.

الشابة: ارجوك لا تجبرني على فعل ذلك، لم يبقْ منك ما اجلده، فعلت بك الوحدة ودور المسنين الكثير.
العجوز بصوت أعلي: ولكني مصر، إني مستحقاً لعقاب كلماتك.

تنظر للخارج بوجه يظهر عليه الألم.

مبتسماً: لك نفس رسمة عيوني وعرض جبهتي، أول ما ولدتي لم أكن الى جوار والدتك، اتصلت بها واخبرتني انها انجبتك، وإنها لن تشتاق لي مادامت شبيهتي الى جوارها.
تقاطعه الشابة: أعلم، أعلم جيداً هذه القصة، روتها لي أمي مئات المرات كقصصً غيرها حتى لا أكرهك.
تنفث في عصبية: اسمع لعبة الذكريات تلك سخيفة، تذكرني وانا في المهد واذكرك انا في كل مرة احتجنا انا وامي لرجلاً يكون سندا لنا، هكذا علمونا، لابد ان يكون هناك ذكراً يحمي الحمى، يطعم أطفاله ويرعى زوجته، يصيح في أطفاله إذا أخطأوا، يكافئ من ينجح منهم بلعبة لطالما أرادها.
العجوز: أنا أسف.
الشابة: لا لست آسفاً، أسفك يكشف لي عن رجلاً مذعوراً من الموت وحيداً في بيتهِ الفخم، يخشى رائحة العفونة، وقلة مجيء المعزيين، مرتعباً من شماته شابتين يحملن اسمه، يسمعون بخبره ولا يعرفون أيبكون عليه ام من قسوته.
متأثرا يضع يده على يدها: ماجدة، ارجوكِ مادام بي نفس أريد أن نحل هذه المسألة، طريقة حوارنا سوف لن تفضي بنا الي شيء.
تسحب يدها من تحت يده، وتمسح دموعها بسرعه: ترى انها مسأله واراها أنا حياة.
بعصبية: لم اقصد ان أسميها…
تقاطعه: اختي الصغيرة لا تستطيع ان تتخيلك أشيب الرأس، اخر صور لك في المنزل كنت ثلاثينياً يافعاً، قالت صوريه لي حتى اعرف كيف أصبح.

يومئ رأسه في يأس.

من دون ان تنظر اليه: لما لم تحضر حفل تخرجي؟!
متأسفاً: تعلمين أنى كنت خارج البلد.
الشابة: نعم نسيت، السفر، اموال جيدة وبيت مميز، عائلة ورائك تنساها، تلقي لهم بالنذر اليسير حتى لا تتهم في قضية نفقة، بنيت للناس بيوتاً ولم تعمر بيتك قط.

يمسح عينيه فتنظر له بغير إشفاق.

العجوز: لم تكن هذه الحقيقة ابداً.
بحماس عصبي: اذن أخبرني، أخبرني عن القهر الذي جعلك تترك شابة وطفلتيها، بوظيفة متواضعة، أخبرني عن قهرك لامرأة عجوزً تطلب منك القليل لتعلم بها بناتك، أخبرني عن تلك الصغيرة التي بكت ليالي في الشباك تنتظر رجوعك، أخبرني عن اجتهادي في الدراسة لربما إذا علم ابي بنجاحي يعود لنا – تضع يدها على فمها باكية – هكذا كانت توصيني امي وتصبرني.
كاتماً أناته: انا اسف يا أبنتي، ارجوكِ سامحيني.
مستعيدة قوتها: وإذا سامحتك ماذا يفيدني انا!، أتغيب سنيناً طوال، لتعود لطلب شيئا يخصك ليريحك انت.
متحشرجاً بكلماتهِ: علمتني الحياة أن السماح يعطي القوة والراحة لمانحهُ.
ساخرة: علمتك الحياة!، لأخبرك قليلاً عن خبرتي انا بالحياة، علمت ان من يخطئ يجب ان يحاسب، ومن لم أستطيع على مواجهته سيأتي إلها عادلاً يقف بيننا.
العجوز: علهُ يخفف عني العذاب إذا غفرتِ لي انتِ.
الشابة: وامي واختي، أليس لهم نصيباً من الكرم الإلهي في محاسبتك!
العجوز: ان تجاوزتِ عني انتِ، تستطيعين شرح الموقف لهم علّهم يتفهمون.
ضاحكة: اي موقف يا سيدي!، انت لم تؤتي بسببٍ واحداً حتى وإن كان غير مقنعاً، تستحي ان تخبرني ان أنانيتك وبخلك وشهوتك هم من اثنوك عن دورك كرجل العائلة، لما تدفع اقساط المدرسة إن أمكن ان تغير موديل سيارتك.

يأتي النادل ويرفع الأقداح.

العجوز: اذن لن تسامحيني.
الشابة: السؤال ليس كذلك، ألن تحملِ عني وزري في آخر أيامي، ألن تكونِ غبية كفاية لتمرضيني بدلاً من الأغراب الطامعين بي.
تنظر له في تحدي: عش ما تبقى لك واحسب سبعة وعشرون عاماً هو عمري ما به من شهور وأيام وتعذب بهم ليجلدوك، لينتقموا منك، ليشمتوا على وحدتك وبرودة بيتك.
لا ينظر لها: إذن هذا قرارك النهائي؟!

تقف الشابة وترتدي معطفها، تهم بالحركة عن الطاولة لتقف لحظة: لا، اتعلم ماذا؟

تقترب منه وتلمس وجهه لأول مرة بحبٍ: لي ابناً لا اريد أرضعه الكراهية التي بصدري، لا يمكن ان أعيب عليك سوء أبوتك، واربي طفلي على أحقاد قديمة مسممة، ليس له ذنب سوي إنه حفيدك… أُسامحك لخاطره هو.
تقبله في رأسِه، لتغادر ويبقى نظره معلقاً عليها.

الاوسمة: قصة قصيرة
الفستان الأزرق - قصة قصيرة
رابط الموضوع تكبير الصورة

الفستان الأزرق – قصة قصيرة

أشتقت لقوامي داخل الفستان الأزرق، والقطعة الحريرية على الصدر المشدودة، لطالما قضيت ليالي مميزة مرتديةً إياه.
صوت العطر، آآه، عطر المناسبات الخاصة، مرت شهور لم يكن لي يوم يستحق أن اضع عطري ذلك فيه.
حسناً كل شيء كامل فستاني، عطري وكحل عيوني.

يوم كامل مضى عند الصالون النسائي ما بين إزالة الشعر وحمامات مغربية لتزيدني نعومة.
تحدق في المرآه تركز نظرها بعينيها: اشتقت لجنونك، مرحبا بعودتك صديقتي القديمة.
تأخذ معطفها من على الكرسي الكبير بزاوية الصالة، تتحرك تجاه الباب.
تخرج هاتفها وتخرج رقماً لتتصل به.

– أستتأخر كثيراً؟
– بالطبع لا أستطيع الإنتظار بالبيت، أخذ رشيد الأولاد لبيت أهله، وقد يعودون بأي لحظة.
– بالطبع أخبرته إني سأتأخر عند مليكة، ولكن ليس أكثر من العاشرة.
– خمس ساعات ليست بالوقت الكثير ان أضعت منهم ساعة.

بغضب تضغط على المقود.

– حسناً، نعم أعرفه، سأنتظرك هناك، أرجوك لا تتأخر عن الساعة.

تعلي صوت المذياع وتنظر للطريق بعصبية.

تدخل مطعم راقي خشبي بإضاءة صفراء هادئة، يفتح لها الباب الزجاجي نادل صغيراً بالعمرِ نحيل الجسد، يرتدي طقماً ارجوانياً تلمع عليه شارة تحمل اسمه وفوقه اسم المطعم، تبتسم له بتصنع وتجلس في زاوية تراقب المحيطين.

– عصير برتقال.
تعطي النادل القائمة.
شكراً.

تنظر للجالسين وللتلفاز الكبير يعرض عليه فيلم مدينة الملائكة، تثبت عينيها لثواني مشهد تحفظه عن ظهر قلب.
تلعب بالمحبس في بنصرها الأيسر.

– مستحيل أن اجلس ساعة في انتظاره هكذا، سيجن جنوني.

تخرج دفتراً وقلماً تفتح الدفتر.

– من قال ان الخيانة سيئة، هؤلاء من لا يستطيعون فعلها فقط، مدعين العفاف وهم في الحقيقة مرعوبون من التغيير، ولو ضمن كل رجل أنه سيخون ولن يحاسب لن يتوانى دقيقة ليفعلها.
قد كان يعتقد رشيد أنى لن اعلم يوما، صدفة صغيرة غبية، تذكرتان سينما في وقت متأخر تعودان لتاريخ يوماً أخبرني به إنه ساهراً في عمله.
يضع النادل أمامها ورقاً مقوى برسمة لفينيسيا، واضعاً فوقها كوب البرتقال يبتسم لها، تخفي الكتابة بيديها بطريقة طفولية.

– لو كان لي ملاكا يحبني، لا يهم أن يكون شبيه (نيكولاس كايج)، يكفي ان يكون بقلب ملاك، سيث، أحبها وترك النعيم ليصبح في شقاء الى جوارها، ماذا رأي بها لم يراه ذلك الطبيب الذي احبها!، يحتضنها حتى تنام، هااا، نعم أتذكر ليالي أحتضن وسادة طرية من الطراز الفاخر، أتذكر همس زوجي في الهاتف يحسبني نائمة، أتذكر قلتي وضعف حيلتي لقيدي بالحياة الى جواره، فنحن (كاثوليكيان) لسوء حظي وحظه، لو كان له ان يغيرني لما تردد لحظة، يريدها أصغر وأنعم وأظرف، لا تناقشه بمصروف البيت أو موعد طبيب الأطفال، ملَ من أخذ أكياس القمامة في الصباح، لم يعد يهتم بإطعام الكلب الذي اشتراه هو بكامل إرادته بحجة إني أتذكر ذلك افضل منه، العشيقان لا يتزوجان، إذن يبقى الشخص المناسب للزواج في الصورة ويبقي العشيق في الظل.

ترفع عينيها تتفحص الناس.

– ما بال شابات هذه الأيام واحدتهم لم تتعدى السابعة عشر وتدعي الأنوثة الكاملة، ترتدي صدريات أكبر من حجمها وتضع مساحيق امها، تسحب سيجارة من صاحبتها تتكلم عن الحياة وكأنها عاصرت قروناً بها، اضحك يا لغبائي عندما كنت بعمرهن، خشيت ان تجعلني قبلة ابن عمي لي حاملاً فينفضح امري اني قد قُبٌلت.

– رائف هو أكثر فائدة استفدت بها من دخول الإنترنت لمنزلي، صديق من الأصدقاء المقترحين، قلب حياتي رأسا على عقب، موسيقاه الغريبة، عزوفه عن الزواج، تقلبات مزاجه، روحاني جدا، عصبي، حماسه السياسي، من صوره يبدو انه وسيم، باختصار ان بحثت امرأة عن عشيق لها سيكون هو الخيار المثالي، بعد يومان من حديثنا مسحت صوري مع اطفالي من حسابي، أريد أن يراني فقط من الصور التي انتقيها انا بنفسي له، اُجهز الفستان والاضاءة، اضع حامل الكاميرا واستعد لأخذ صورة تنعش مخيلته، لا يمكن ان تثيره اماً تحمل طفلاً وتمسك بيد الأخر في مدينة الملاهي بالجينز والتي شيرت البولو.

– غريب اني اكتب هذا الكلام الأن.
في أول لقاءا لنا، غريب اني لا اكتب مثلاً عن تأنيب ضميري للخيانة، لربما شعوري انه الى الآن مازال خيالاً، حسناً، سأترك جلد الذات بعد ان افعلها.

تشرب من العصير، وهي تتابع المارة من وراء الزجاج.

– شيئاً ما بداخل صدري يراقبني ولا يعرفني، وحشاً يريد ان يلتهمني، او لربما دعوي مظلومة تتوق لعودتها للمنزل، علِ احتضن اطفالي واقبلهم بشوق، لأقسم لهم اني ما افعله ليس من غريزة ولا من شهوة، اريد ان أبرئ نفسي من ذنب لم ارتكبه بعد، لربما افتح الباب على زوجي واصيح بوجهه أن اخرج من هذا البيت بلا عودة، اعلم كيف اربي اطفالي اذا لم يكن زوجاً خائناً الى جواري، ستعطيهم مالك فهذا حقهم، اتنازل انا عن حقي مقابل راحة بالي، فلتذهب تضاجع عاهرتك في الجحيم لم يعد يهمني.

تمسح دمعة خفيفة وتحرك يديها في الهواء من شدة ضغطها بالقلم على الورق.
تنظر في الساعة تجد انها تخطت السادسة والربع، تخرج الرقم مرة اخري وتتصل برائف.

– لماذا؟
تنظر في الفراغ: حسناً، مع السلامة.

تقوم للحمام مسرعةً، تنظر في المرآه الكبيرة.

– فشلتُ حتى في ان اكون خائنة.

تخرج امرأة ستينية من خلفها، تغسل يديها وتبتسم لها.

– كلنا فشلنا في ذلك عزيزتي.

ترمي المحرمة وتخرج، تنظر لنفسها في المرآه مبتسمة.

تفتح باب المنزل في هدوء ليقابلها صوت أطفالها من بعيد، يركضون نحوها تحتضنهم بعمق، تدخل غرفتها، تخرج قميص نوم أزرقاً من شنطة يدها وترجعه في الدولاب، بين قمصان اخري.
نسمع صوت رشيد: ليلى.
يقف نصف عاري، بجسد مبلل: لا أستطيع ان أجد البيجامة البنية، أحضريها ارجوكِ.
تعطيها له.

رشيد: واااااو، اشتقت لهذا الفستان، كم اعشق ذكراه.

تبتسم له: وانا ايضاً.

الاوسمة: قصة قصيرة,قصص رومانسية

سالي بازي على الفيسبوك

سالي علي الساوند كلاود

التصنيفات

  • خواطر
  • قصص قصيرة
  • مقالات
  • مقولات

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية ليصلك جديد الموقع

إبحث في الموقع

Ⓒ سالى بازي | جميع الحقوق محفوظة، غير مصرح بالنقل بدون إذن كتابى من صاحبة الموقع

Top