ليلة عشية عيد الميلاد المجيد في حديقة مزدهرة أمام شجرة الميلاد الكبيرة تقف باولا بفستانها الأبيض الذي يشبه فستان عروس، تلمس الشجرة بأناملها برقة كأنما تخشى ان تجرحها، تبقى تتغزل بها وتسمعها أمنياتها، يأتي حاملاً بيده اليمنى قنينة شمبانيا، يتأمل باولا، يصفر بطريقة تعرفها جيداً، تسمعها ولا تلتفت تجاهه مبتسمة.

باولا: ما الذي اتي بك؟
يتقدم خطوتين منها ليقابلها: لا يمكن ان يكون الميلاد من دونك باولا.
تترك فرع الشجرة الذي تمسك به بقوة: يمكن لحياة كاملة ان تكون بدوني يا جون.
يتنهد: ومازالت غبية!
تضحك وتتقدمه ببطء: وما زلت وقح؟!
يضحك ويقدم لها يده اليسرى، تعطيه كفه ليمسك بها ويجلسها على دكة خشبية.
جون: اشتقت لحديقتكم، أين الجميع؟
باولا بغير اهتمام: في الداخل، الكل مجتمعون.
جون: وكنتي تعلقين أمنياتك على الشجرة أم تنتظريني هنا وحدك؟
تبتسم له وتخبطه في صدره.
يكمل: اشتقت لكي باولا.

باولا تضرب بكفيها لتصنع صوت المفاجأة: نعم، اشتقت لي، معك حق، فالأصدقاء ايضاً يشتاقون لبعضهم.
يخرج فتاحة القنينة ليقول: اذن انتِ لم تسامحيني بعد؟!
يحاول ان يفتح القنينة فتخشى باولا انفلات السدادة فتبعد عنه لتنفجر بينهم ولكن لا تصيب احداً هذه المرة.. يضحكان، ويعطيها لتشرب أول نخب..

ترفع باولا القنينة عالياً: في نخب الولادة من الألم.
تشرب وتملئ فمها بالشمبانيا والضحك وتعطيها له.
جون: باولا، التي ولدت من الالم.
باولا: الم يمكن ان يكونوا أهلي أسخف من ذلك، احكيت لك من قبل لما أسموني باولا.
جون يعطيها الزجاجة: نعم اخبرتني.
تشرب منها: دعني اخبرك ثانية.
يضحك وهو يأخذ منها القنينة: لاااا ارجوكِ، احفظها عن ظهر قلب.
متحمسة: دعني فقط اخبرك، أعدك ان تكون الاخيرة.
يصافح يمناها: ومن الذي يستطيع هزم عنادك! تفضلي.

تقوم لتتمشى امامه: باولا هي ابنة إيزابيل الليندي، من أشهر الكاتبات التي حصلن على جائزة نوبل في الآداب، كتبت باولا عن قصة حياة ابنتها، او تحديدا عن قصة موت ابنتها الوحيدة -تحني رأسها بتواضع مسرحي- باولا، بقت تصارع المرض لسنين، وكانت الأم الكاتبة تتلاشى كل يوم باحتضار وحيدتها.

يعطيها جون الزجاجة فتشرب منها وترجعها له لتكمل: كان لإيزابيل مساعدة وبنفس الوقت صديقة، هي من اقترحت عليها ان تكتب مذكرات تجسد موت ابنتها، لربما بيوم من الايام يخرجها الموت من بين براثنه، ويعطيها إله ما فرصة جديدة للحياة فتقرأها.

تتحجر دمعة بعينيها: ولكن تلك لم تكن رغبة الإله الرحيم، بل اكتفى بأن تكون تلك أعظم المذكرات التي تمنح لها الجوائز، وخُلدَت باولا في أذهان الملايين، لتصبح باولا المولودة من الألم.

لا يحيد النظر عنها ويفرد كفه له: اجلسِ.
يكمل: تعلمين كم فتاة وامرأه حية أو ميتة حملوا اسم باولا؟
باولا: اعلم، ولكنهم لم يتألموا مثل ألمنا نحن.
جون متسائلاً: نحن!، أنتِ وأنا، انتِ و.
باولا: أنا وهي، باولتي، البطلة الحقيقة للرواية.
يضحك: هذا ليس سببا وجيهاً ليسمياكِ بهذا الاسم.
باولا تضحك: حقاً لا اعلم لما فعلا ذلك.
يصمتان لدقائق متأملين جو الحديقة وقد غلب الخمر عليهم بهدوئه.
جون في استعراض: تعالوا لي بسرعة.. فأنا أتذوق النجوم.
لا تضحك باولا منه وتبقى مشيحه ببصرها عنه فيدير وجهها له، تبتسم له بعينين دامعتين.
باولا: لم أتيت اليوم جون؟
يبتسم وهو يمسح دموعها: حتى أسمع سبب تسميتك للمرة المليون.
باولا: أحقاً هو للمرة المليون؟، إذن بيننا عشرة طويلة.
ينظر بعينها متسائلاً شاعلاً سيجارة: هي حقاً عشرة طويلة.
تقولها معاتبةً: لما لم تٌحبنَي؟
جون: انا احبك باولا تعلمين هذا جيدا.
تضع كفها في مواجهتهِ: لا تتسرع بالإجابة، فقط فكر، ما الذي منعك عن ان تكون حبيبي؟
لا ينظر لها: لا اعلم، لم احبك بطريقتك التي أردتيها.
باولا: أجباناً انت؟
يعود ليجلس الي جوارها: لو كنت جباناً لما تقربت اليكِ.
باولا: حسناً، فعلتها وتقربت، وقاسيت كل ما يقاسيه عاشقاً في الحب.
يهز راسه نافياً: لم أكن اشعر بأنني احبك بهذه الطريقة، أهذه جريمة؟
باولا: ها، حسناً، فأنت اشتعلت ناراً بالغيرة، حاولت ان تستبقى الأيام في محادثتي ورؤيتي، لم ترتبط بواحدتهن قط بحجة أنك اكتفيت بصداقتي.
جون: نعم باولا وماذا في كل ذلك، والذي تأكدت منه انني لم احبك.
باولا: هل لديك الجرأة لتقولها بعيني؟
جون: نعم املكها – ينظر بعينها – انا لا أحبك.
باولا: وماذا عن القبلة؟
جون: اي قبلة!
باولا بحب: قبلتنا.
ينظر بعيدا: اه.
باولا: الاولى؟، الثانية؟، المائة؟، وما يلحق القبلات من أفعال الجنون؟

يشعل سيجارة ثانية لتأخذها من بين شفتيه وترمِها بعيداً: لا تستنجد بمعين، لن يجديك التبغ في التهرب من حبي.
جون بعصبية مفتعلة: تقصدين التهرب من تحقيقك، ماذا تريديني ان اخبرك بضبط.. انني أهيم عشقاً بك، انني أقضي طوال اليوم في انتظار محادثات الليل، انتظر سؤالك عن كيف كان حال يومي، انتظر لمسة يدك على جبهتي، تحملك لتقلب مزاجي العنيف، أفتعل إغضابٌكِ حتى اتمتع بمصالحتك.

باولا: هذا بالضبط ما أود سماعه.
يقوم ليكمل: ولكنكِ حتماً لا تريدين سماع الباقي، مع ذلك، مع كل ما بيننا، انا فقط.. لا احبك.
تضحك عالياً وتمشي بعيداً عنه بظهرها وتفتح ذراعيها على وسعهما: وما الحب إذن برأيك؟
متلعثما: لا اعلم اي شيء غير ذلك.
تقترب منه: الشهوة؟
جون: لا.
باولا تقترب خطوة: الاشتياق؟
جون: لا.
تقترب: حلم العيش مع نفس الشخص للأبد، حتى يفرقهما الموت؟
ساخراً: لا.
تقترب أكثر: رفقة الأنس؟
جون: حتما، لا.
متسائلة: الغيرة؟
جون: انا لا أغار.
تقترب كثيراً منه: الجنون؟
جون: لا.
باولا: الأوكسيتوسين، الثقة؟
جون وقد ضاق ذرعاً: لا، اي سؤال عما هو الحب بنظري سيكون.. لا.
تجلس على العشب وتثني قدميها تحت الفستان: اذن لما تعود في كل مرة؟
جون: لا أريد ان أخسر صداقتنا.
يجلس الى جوارها: ومن قال اننا سنخسرها؟
جون: انتِ، انتِ تريين انه الحب وانا اراه انه … حسناً …ال..
تطبطب على ظهره: لا يهم ما هو ما دمت تحسُه.
في عناد: انا لا احسه، انتِ من قلتي لي احبٌكَ.
تبتسم: ولم يكن هذا سراً، كل من رآنا اعتقدوا أننا عشاق لا اصدقاء.
جون: عشقك مخيف باولا، الا ترين كل من اقترب منك قد أفنيت حياته بعدك.
باولا: او لهذا الحد يصل شري!
جون: ليس شراً، هو نوع من ذلك السحر الأسود، يغلب عليه الجمال ليأسرك، ولا تعلم كيف يأخذ منك كل شيء حتى نفسك.
باولا: وما الذي سلبك إياه سحري؟
جون: أكثر من عامان.
باولا: حسناً انه العمر؟
جون: لا أستطيع ان ارى فتاة بغير شكلك وكلامك ومزاحك ورقتك وحركاتك وبكاؤك وغضبك.
باولا: إذن أخذت منك متعة الاختيار؟
جون ينفخ خديه بالهواء ويطلقهما بنفخة قوية: هو أشبه بوشم، ولكنه بالقلب.
تضحك منه: قلب من؟، قلبك؟ – تضع يدها على صدره – هذا العضو الذي ينبض للحياة؟، أو تملك واحداً منه؟
واضعاً كفه على كفها: كفاكِ قسوة.
باولا: وقسوتَك؟
جون: باولا انا اقول الحقيقة، والحقيقة في جوهرها قاسي.
تبعد عينيها عنه في دموع، فينفجر بها يمسك رأسها بكلتا يديه.
جون: لا لا يمكن ان يحدث هذا ثانيةً، باولا مستحيل ارجوكِ لا تبكي، باولا حقاً أقصدها توقفي حالاً، باولا امتنعي عن هذا، انا أسف، انا احقر …

تبتسم وتسند جبهتها على جبته: اخرس، أنت طفلاً غبياً لا أكثر ولا أقل.
يقبلها بين عينها: أسف على دموعك.
ترفع رأسها بحماس: تخيل لو إنني سوف أموت خلال دقائق، ماذا تود ان تخبرني إياه قبل رحيلي؟
يسحب يده من حول رأسها: لا أحب تلك الافتراضات.
تقترب منه وتقبله على شفتيه: فقط قلها، ستكون تلك الأخيرة التي تراني بها ولن أساومك على شيء بعدها.
تعود لتقبله وتكمل: وليس هناك شهود، فقط أنا وأنت والموت العاجل لي.
ينظر بعينها ويقوم: سأقول أي شيء باولا.. عدا أني احبك.